الأخبار
السبت 5 تموز 2025
بدأت واشنطن توسيع قاعدة «قسرك» في بلدة تل تمر (أ ف ب)
تكشف التحركات العسكرية الأميركية في شمال شرق سوريا عن مسار ميداني يناقض التصريحات المتكرّرة السابقة لوزارة الدفاع الأميركية، والتي تشير إلى وجود قرار بسحب تدريجي للجنود الموجودين في قواعد في هذا البلد، مع تقليص عدد هذه القواعد، مطلع العام القادم، والاحتفاظ بقاعدة وحيدة في منطقة التنف على مثلّث الحدود السورية مع العراق والأردن. إذ تقابل ذلك التوجّه المعلن، مؤشرات عملية على الأرض تظهر نية واشنطن الإبقاء على وجودها وتعزيزه، عبر خطوات مباشرة لتوسيع قاعدة في محافظة الحسكة، بدلاً من الانسحاب التدريجي.
ويأتي هذا فيما لا يبدو أنّ فكرة الانسحاب الكامل تحظى بإجماع في واشنطن، في ظل تقديرات تشير إلى وجود تباين واضح بين المسؤولين العسكريين والاستخباراتيين المعارضين للفكرة، وبين السياسيين الساعين إلى تلبية رغبات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في إنهاء الوجود الأميركي في سوريا.
ومن المرجّح أنّ القادة العسكريين يتمسّكون بموقفهم انطلاقاً من تصوّر بأنّ انسحاباً كهذا سيفتح المجال أمام تنظيم «داعش» - وخصوصاً في ظل هشاشة المؤسسات العسكرية في الإدارة السورية الجديدة -، لإعادة نفوذه في المنطقة، ما سيشكّل تهديداً أمنياً محلياً وإقليمياً. ويعزّز هذه المخاوف التصعيد الأخير للتنظيم عبر تنفيذ هجمات استهدفت مناطق سيطرة «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد) والحكومة السورية على حدٍّ سواء، وكان آخرها تفجير في الميادين في ريف دير الزور، وهجوم على آلية عسكرية في ريف الرقة.
بناء على ذلك، يبدو أنّ الأميركيين بدأوا يتريّثون في تطبيق قرارات تقليص عدد القواعد والجنود، وهو ما تدل عليه تصريحات لمسؤولين عسكريين، تؤكّد على أنّ الوجود العسكري الأميركي لن يشهد تغيّراً في المدّة القادمة، في ظل الحاجة إلى استكمال عملية ملاحقة خلايا تنظيم «داعش». وفي هذا الإطار، أكّد المتحدّث باسم وزارة الدفاع، شون بارنل، أثناء مؤتمر صحافي، أنّ عديد القوات الأميركية في سوريا يبلغ 1500 جندي، لافتاً إلى أنه «لا توجد أي خطط (حالية) لتغيير تموضعهم»، مؤكّداً استمرار مهام هذه القوات في «مكافحة داعش» ودعم الاستقرار في مناطق شمال شرق سوريا.
عزّز «التحالف» وجوده عبر إنزال طائرة شحن عسكرية في قاعدة «خراب الجير» بريف رميلان
وفي السياق نفسه، بدأت واشنطن توسيع قاعدة «قسرك» في بلدة تل تمر، الواقعة على طريق حلب - الحسكة الدولي (M4)، في إطار خطّة تهدف إلى تحويلها إلى قاعدة أساسية بديلة، بعدما نُقلت إليها معظم المعدّات والأسلحة من قاعدتَي «العمر» و«كونيكو» عقب قرابة شهرين من تنفيذ انسحاب من الأخيرتين. وهنا، تؤكّد مصادر أهلية، في حديثها إلى «الأخبار»، أنّ «عدداً من الآليات الهندسية الثقيلة شوهدت في محيط القاعدة، إذ بدأت أعمال حفر وتحصين بهدف توسيعها»، لافتةً، في الوقت نفسه، إلى أنّ «قوات التحالف أطلقت منطاد مراقبة مزوّداً بكاميرات مراقبة حرارية، بهدف رصد كامل الأنشطة المحيطة بالقاعدة، ومنع أي محاولات استهداف معادية لها».
وتشير مصادر ميدانية، بدورها، إلى وجود «تردّد واضح لدى العسكريين الأميركيين حيال تنفيذ الانسحاب من سوريا، في ظل حالة عدم الاستقرار»، لافتة، في حديثها إلى «الأخبار»، إلى أنّ «عديد القوات الأميركية حالياً يتجاوز بـ500 عنصر ما كان عليه العام الماضي، بسبب زيادتها أصلاً في المدّة التي سبقت سقوط نظام بشار الأسد». وتوضح المصادر نفسها أنّ «واشنطن تدرك أنّ أي انسحاب من مناطق قسد، من شأنه أن يمنح دمشق ورقة تفاوضية قوية في محادثاتها مع قسد»، مضيفة أنه «عدا عن المخاطر الأمنيّة للانسحاب الكامل، فإنّ واشنطن تتّبع سياسة العصا والجزرة مع الحكومة السورية، وتريد استغلال ملف الوجود العسكري، كأداة ضغط عليها عند الحاجة».
بالتوازي، صعّد «التحالف الدولي» عملياته العسكرية والاستخباراتية ضد خلايا «داعش»، بالتعاون مع «قسد»، إذ نُفّذت عمليّتا دهم واعتقال طالت عناصر من التنظيم في «مخيم الهول» وقرية مجاورة له خلال أقل من 24 ساعة. كما أجرى «التحالف» سلسلة تدريبات عسكرية بالذخيرة الحيّة في قواعد «غويران» و«الطلائع» و«الشدادي» في محيط مدينة الحسكة وريفها الجنوبي، في سياق اختبار جاهزية القوات لتنفيذ عمليات هجومية، أو التصدي لهجمات افتراضية.
أيضاً، عزّز «التحالف» وجوده عبر إنزال طائرة شحن عسكرية، محمّلة بمعدّات لوجستية وعسكرية وأجهزة إلكترونية، في قاعدة «خراب الجير» في ريف رميلان شمال شرقي سوريا، في خطوة جاءت بعد يوم واحد من دخول رتل عسكري مؤلّف من 24 شاحنة، محمّلة بصهاريج وقود وصناديق مغلقة، إلى قاعدة «قسرك» في ريف الحسكة.